بعد احتفائها بمخرجات الحوار الاجتماعي.. وزارة الصحة ترمي بقرار تنفيذ الاتفاق مع النقابات إلى رئاسة الحكومة
يعيش قطاع الصحة في المغرب منذ أسابيع على واقع احتقان "غير مسبوق"، بعد الاهامات التي توجه للحكومة بأنها "أخلت" بمخرجات الحوار الاجتماعي المتفق عليه والمبرم مع النقابات منذ دجنبر الماضي، وهو ما دفع أطباء المملكة إلى العودة إلى الاحتجاج وشلّ المستشفيات العمومية في إضرابات متواترة، تزامنا أيضا مع واقع الاضرابات والاحتجاجات المستمرة منذ شهرين في صفوف طلبة الطب والتي لم تجد لها الوزارتين الوصيتين حلا حتى الآن، ما بات يتهدّد وبشكل مباشر صحة المواطنين، وأيضا تنزيل الأوراش الملكية المرتبطة بالقطاع بما فيها الحماية الاجتماعية وإعادة هيكلة وتأهيل المنظومة الصحية.
ويتّهم أطباء المغرب، رئيس الحكومة عزيز أخنوش شخصيا، بعرقلة الاتفاق المبرم بين اللجنة الوزارية والنقابات القطاعية، من خلال نهجه أسلوب "الصمت" وتجاهل مطالب المهنيين المتفق عليها مع حكومته برفضه التأشير عليها عقب رفعها من طرف الوزارة الوصية، وبالتالي التسبب في تأجج غضب الأطباء وإضرابهم وبالتالي تعطيل مستشفيات المملكة، مشدّدين على أن "التنسيقات الطبية، صبرت كثيرا وعلى مر التاريخ ولن تتوانى بالمطلق في الدفاع عن أحقيتها في تحسين ظروف الاشتغال والظروف الاجتماعية والماضية في إطار برنامج نضالي محدد" مهددة بذلك باستمرار الاحتجاجات والإضرابات، حتى تعود الحكومة في شخص رئيسها إلى "صوابية احترام المؤسسات" وتعهداتها ومخرجات الحوار الاجتماعي.
وفي تصريح لـ "الصحيفة"، أوضح مصطفى الشناوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بأن الحكومة ومن خلال لجنة وزارية مكونة من كل من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية والامانة العامة للحكومة، كانوا قد تفاعلوا مع رسالة كانت قد وجهتها الكونفدرالية في 10 دجنبر، تطالب بالاهتمام بوضعية الشغيلة الصحية وتحسين الاجور، بإيجابية وجالسوهم في الدار البيضاء إلى جانب ثماني نقابات صحية اجتمعت جميعها مع الوفد الحكومي للإنصات لمطالبهم وأبلغونا أن الحكومة مبدئيا مع الزيادة في أجور جميع المهنيين، بيد أنه كان الاختلاف حول قيمة الزيادة، واستمرينا في الاجتماع 3 أيام إلى 28 دجنبر حيث وقعنا الاتفاق".
وشدّد الشناوي، وهو يسرد تفاصيل الاجتماعات مع الحكومة، على أنه تم الاتفاق على أساس الأجرأة، وكانت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية هي الوسيط بين الأطر النقابية والحكومة في شخص رئيسها، وهي المكلفة برفع المطالب، وبالعادة الجواب يكون بعد أسبوع، لكن دام هذا شهر يناير كامل ومع ذلك، وقعنا المحاضر وبعد ذلك وصلنا إلى الاتفاق الذي ضم نفس المطالب إلا بعض التغييرات الطفيفة".
وفي هذه المرحلة، يشرح الشناوي، كيف أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أخذت الاتفاق المُبرم والذي كان موضوع احتفاء في 24 يناير من طرف الحكومة على وجه الخصوص، ورفعته إلى رئاسة الحكومة ليُحتجز دونما أي تنزيل، مضيفا: "انتظرنا أكثر من شهر في صمت ولم يخبرونا بأي شيء حول مصيره، وعندما نسأل الوزارة الوصية تقول إنه في عهدة رئاسة الحكومة وهذه الأخيرة تتجاهلنا وترفض الإفصاح عن مصيره، وبالتالي اليوم أصبح الحوار الاجتماعي والمفاوضات مهددة وبدون مصداقية وقد أهدرنا قبلها أكثر من شهرين في مجهود متواصل قبل بلوغ الاتفاق الأخير المبرم مع الحكومة ذاتها".
ويقضي الاتفاق المذكور، موضوع "التعطيل" من طرف رئاسة الحكومة بزيادة عامة في الأجر الثابت قيمتها 1500 درهم صافية لفائدة أطر هيئة الممرضين وتقنيي الصحة والممرضين المساعدين والممرضين الإعداديين، تدرج في خانة التعويض عن الأخطار المهنية، وزيادة عامة في الأجر الثابت قيمتها 1200 درهم صافية، تدرج في الخانة نفسها، لفائدة مهنيي الصحة من فئات: المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، التقنيين والمحررين، تقنيي النقل والإسعاف الصحي، مساعدي طب الأسنان والمساعدين في العلاجات، المتصرفين، المهندسين.
ونص الاتفاق أيضا، والذي تتوفر "الصحيفة" على نسخة منه، على ضرورة تحسين شروط الترقي لفائدة مهنيي الصحة في إطار إعداد النصوص التطبيقية للوظيفة الصحية، وإحداث درجة جديدة لجميع فئات مهنيي الصحة ابتداء من سنة 2026، وإقرار إجراء مباريات مهنية داخلية حسب حاجيات القطاع من الكفاءات في المجال الصحي في إطار النصوص التطبيقية المتخذة لتنزيل الوظيفة الصحية".
واتفق الطرفان على "اعتماد الصيغة المثلى لحساب قيمة التعويضات عن الحراسة والإلزامية والمداومة لفائدة مهنيي الصحة مع الرفع منها من خلال المرسوم المنظم لمواقيت العمل داخل المجموعات الصحية الترابية، مع الالتزام بإصدار مذكرة مركزية في هذا الشأن نهاية يناير الحالي، وصرف تعويض خاص بالعمل في البرامج الصحية، بما فيها طب الأسرة وطب الإدمان ووحدات طب الشغل والعلاجات المتنقلة، وعن العمل باللجان الطبية الإقليمية لفائدة جميع مهنيي الصحة العاملين بجميع مصالح شبكات المؤسسات الصحية ومراكز الرعاية الصحية الأولية والمراكز المماثلة لها، وذلك كل 3 أشهر تحتسب ابتداء من نهاية يناير ".
واتفق الطرفان الحكومي والنقابي أيضا على "إحداث تعويض لفائدة مهنيي الصحة عن المهام المرتبطة بتأطير طلبة الصحة والصيدلة وطب الأسنان وطلبة المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة وكذا متدربي معاهد التكوين في الميدان الصحي، يحتسب ابتداء من تاريخ صدور المرسوم المؤطر لهذا التعويض، ودراسة الأثر المالي والإجراءات التنظيمية المرتبطة بتخويل سنوات اعتبارية لبعض فئات أطر هيئة الممرضين وتقنيي الصحة، بما في ذلك الممرضون الذين غيروا الإطار إلى متصرفين والعائدين إلى إطارهم الأصلي، وتخويل ترقية استثنائية للممرضين والمساعدين الإعداديين، وذلك من خلال لجنة تباشر أشغالها بداية فبراير مع كافة المدخلين، بما يضمن حل هذه الملفات بشكل جذري وقابل للتنفيذ، مع تجنب ظهور مستحقين غير مستفيدين ودراسة مهام خريجي المدرسة الوطنية للصحة العمومية والمعهد الوطني للإدارة الصحية سابقا، قصد تخويل التعويضات المناسبة دون الإخلال بالمسطرة القانونية المرتبطة بالتخصص، وذلك من خلال لجنة تباشر أشغالها بداية فبراير ".
وشمل الاتفاق "تسوية ملف الأخطار المهنية لفئة الأساتذة الباحثين الموظفين بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وذلك تطبيقا لمقتضيات المرسوم 2.99.649 بشأن حماية وتعويض بعض الفئات من موظفي وزارة الصحة ضد الأخطار المهنية، ودراسة توحيد نظام التقاعد لجميع مهنيي الصحة في إطار الصندوق المغربي للتقاعد، وذلك في إطار الحوار الاجتماعي المركزي في شقه المتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد سنة 2024".
وجميع بنود هذا الاتفاق الذي يضم بنودا يفترض تنزيلها أواخر يناير وبداية فبراير الماضي، أخلت بها الحكومة في شخص رئيسها وفق عدد من المهنيين والأطر النقابية الذين تواصلت معهم "الصحيفة"، مشدّدين على أن التواصل بالأساس كان مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، التي رمت بدورها الكرة في ملعب رئاسة الحكومة، مؤكدة للمعنيين، أن "لا خبر لديها عن مصير الاتفاق في غياب أي جواب من رئاسة الحكومة".
من جانبه، أكد الشناوي في تصريحه لـ "الصحيفة"، على أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لم يعد بمقدورها القيام بأي خطوة مادامت رئاسة الحكومة لم تؤشر ومستمرة في الصمت دونما الخروج بأي جواب شاف، مشدّدا في الآن ذاته، على أن هذا الصمت قوبل بالاحتجاج والإضراب الأول أول أمس الخميس، فيما سيتم خوض إضراب وطني يومي الأربعاء والخميس المقبلين بالمؤسسات الصحية الاستشفائية والوقائية والإدارية بكل أنحاء البلاد باستثناء أقسام المستعجلات والإنعاش والعناية المركزة، مع تنظيم وقفات احتجاجية إقليمية وجهوية.
ولفت المتحدث، إلى أن الإضراب الأول عرف نجاحا مبهرا، فيما الرهان الآن على الإضراب الثاني ليومين الذي ستنضم إليه أطر نقابية جديدة، في إطار برنامج نضالي واضح ومسطر، لا ينتهي إلا بتحمّل الحكومة في شخص رئيسها عزيز أخنوش كافة المسؤولية لتنزيل مخرجات الحوار الاجتماعي.